يقرأ فى أول الصفحة سؤال «عقبة» متى نلتقى بأعداء الله؟ ثم يسمع أوامره بضرب الأعناق، وبعدها يطالب باستخراج مواطن الجمال والكناية فى عبارات مثل تطايرت الأشلاء وتناثرت الدماء وفزع نساء الروم لمصارع رجالهن لماذا تفرض وزارة التربية والتعليم على التلاميذ الذين ما زالوا فى سن البراءة والبهجة والتفتّح، قصصاً عن الحروب والدماء وقطع الرؤوس وضرب الرقاب وفرض الجزية والحضّ على كراهية الآخر؟!، تخيلوا بعد ذلك تطالبهم وزارة التعليم باستخراج مواطن الجمال من بين ركام كل هذه الجماجم!!، تلميذ أولى إعدادى المراهق لا يستطيع انتزاع هذه الأحداث من سياقها التاريخى، فيظن أن هذه الحرب ما زالت دائرة، وأن من فرضت عليهم الجزية وخُيّروا ما بين الدخول فى الدين أو دفعها ما زال مطلوباً منهم ذلك، وأن الدماء هى مرادف البطولة الوحيد، سيظن أنه ما زال مطلوباً منه كواجب غزو البلاد المجاورة والأوروبية والأمريكية، كما غزا وفتح بطل القصة، ألا توجد قصص أخرى غير قصة «عقبة بن نافع»، لكى تدرّس فى أولى إعدادى وتُفرض على التلميذ المسلم والمسيحى فى منهج اللغة العربية، أين مراعاة المرحلة العمرية ومراعاة الوحدة الوطنية، فليقرأها التلميذ إن أراد ويشتريها من المكتبات لكن أن تفرضها الوزارة، هذا هو السؤال؟، وهذا هو اللغز؟، إنها بذرة الداعشية فى المدرسة الإعدادية المصرية التى للأسف تمتلئ بمدرسين يتبنون أفكاراً متطرّفة يجدون لها متنفساً فى مثل هذه القصص التى يختارها مفتشو اللغة العربية وليس الأدباء أو كتاب القصة والرواية أو حتى أساتذة الأدب الكبار، المدهش أن مؤلفى قصة عقبة بن نافع، ليسا من الأسماء التى تركت بصمات فى دنيا الأدب، مع احترامى لهما، القصة ليست لـ«المنفلوطى» أو «طه حسين» أو «العقاد» أو «نجيب محفوظ»، إنها من تأليف على الجمبلاطى وعبدالمنعم قنديل!، يعنى القصة مليئة بمشاهد الدماء ومخاطبة المختلف فى الدين خطاباً مفرداته لا تصلح الآن فى ظل دولة مدنية تحترم حقوق المواطنة واحترام خصوصية الدول وحدودها وسياساتها، مفهوم الجهاد بالقاموس القديم وتحت ظروف وملابسات مضى عليها أكثر من ألف سنة اختلف، وصار غزو البلاد بالأسلحة الآن فى القرن الحادى والعشرين، لمجرد نشر الدين عملاً يُعاقب عليه القانون الدولى، ما المفاهيم التى تريد وزارة التربية والتعليم ترسيخها من خلال مثل هذه القصص؟، هناك مكان اسمه المكتبة المدرسية من حق الطالب أن يقرأ ما يريد بمنتهى الحرية، لكن الحصة المدرسية لا بد أن تخضع لمنهج الوزارة الذى لا بد أن يُترجم فكر وبديهيات وسياسات ومبادئ وطن. فلنقرأ معاً بعض الاقتباسات من قصة «عقبة بن نافع» المقررة على تلميذ خارج لتوه من المرحلة الابتدائية، ما زال على عتبات الطفولة، لنرى ونقرأ معاً مشاهد الدم والنفى فى هذه القصة التى من فرط تفرُّدها وتميُّزها وبلاغتها لم تجد الوزارة غيرها لتفرضها لمدة تزيد على عشر سنوات!! «من امتنعوا عن دخول دين الإسلام، فقد رضوا بدفع جزية سنوية قدرها ثلاثة عشر ألف دينار» (ص 19).. (يحكى عن أهل برقة ويعرّف الجزية بأنها أحد خيارات ثلاثة، وهى الدخول فى الإسلام وإما الجزية وإما الحرب). اختيار كلمة أعداء الله وتكرارها فى وصف المخالفين، مثال (ص 25)، وهذا استدعاء من القاموس لمصطلحات تؤجج نار الفتنة، فمن يضمن لنا ألا يتهم التلميذ المراهق جاره المختلف عنه فى الدين بأنه عدو الله. «أعلن -عبدالله بن سعد- فى الجيش الإسلامى أن من يقتل جرجير (جريجوريس)، فسوف يعطيه ألف دينار ويزوجه ابنة هذا الملك المستبد» (ص 40)، وفى نهاية الفصل تنتحر ابنة الحاكم خوفاً من السبى والأسر. أمر «عقبة» بإحضار هذا الملك ماشياً، وذلك بأن تحول خيول المسلمين المنتشرة فى شوارع المدينة بين الملك وبين موكبه حتى يتجرّد من عظمة الملك.. وجد ملك فزان نفسه مرغماً على السير على قدميه.. كاد يسقط بين الماشين حوله من شدة الإجهاد والإعياء.. فسّر له «عقبة» سبب إحضاره بهذه الهيئة بقوله هو تأديب لك، حتى لا تحارب العرب مرة أخرى، وحتى تدفع ضريبة الدفاع، وهى ثلاثمائة وستون بعيراً.. (ص 54 و55). يقول عن القيروان ستكون مركز إشعاع للمنطقة كلها، وستخرج منها الحملات الحربية لتطهير كل هذه الجهات من أعداء الله!! (نفس القاموس الداعشى) (ص 80). إنكم حزب الله (ص 84) (استدعاء قاموس حزب الله وحزب الشيطان، كما استدعاه «بن لادن» فى قوله فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر). فى صفحة (89) مشاهد دموية أسأل علماء النفس عن تأثيرها على طفل صغير، يقرأ فى أول الصفحة سؤال «عقبة» متى نلتقى بأعداء الله؟ ثم يسمع أوامره بضرب الأعناق، وبعدها يطالب باستخراج مواطن الجمال والكناية فى عبارات مثل تطايرت الأشلاء وتناثرت الدماء وفزع نساء الروم لمصارع رجالهن!! وانتهت هذه المشاهد المرعبة بتسلم «عقبة» الجزية وتوزيعها على الجيش! كان يصول ويجول بفرسه ويمزق جند الأعداء كل ممزق ويرسل الضربة إثر الضربة، فيقصم الرؤوس والهامات (ص 96). استولوا على الأموال الموجودة فى خزائن أشرافها وسبوا عدداً كبيراً من الجوارى (ص 107). انتهت الاقتباسات، وبالطبع سنسمع اعتراضات من قبيل هل تريد أن يشب أطفالنا ضعافاً «فافى» لا يعرفون معنى الجهاد فى سبيل الله؟، أقول أولاً هذه حصة لغة عربية، وليست حصة تاريخ، ثانياً معانى البطولة لها أطياف وظلال كثيرة، فما الضرر من استبدال مشاهد الدماء تلك بمشاهد عالم عربى كبير مثل ابن الهيثم أو ابن النفيس، وهو يعانى ويناضل فى معمله وفى مجتمعه من أجل إقناع البسطاء بأهمية اكتشافاته؟، ثالثاً لن نصادر كتب التاريخ والتراث، ولكن لا بد أن يقرأها العقل الواعى المحلل الناقد القادر على الفرز، ووضع كل حدث فى سياقه، وأعتقد أن طفل العاشرة غير قادر وغير مؤهل لذلك. يا وزير التربية والتعليم شاطئ اللغة العربية متسع وكبير، وبه من الكنوز والأصداف والدرر واللألئ الكثير والكثير، وإذا أردنا ثورة فى تجديد مفاهيم الخطاب الدينى مثلما طالب الرئيس ونطالب جميعاً، فلا بد أن نرسّخ مفاهيم التسامح والمواطنة والحب والجمال فى نفوس أطفالنا، لا قيم الحرب والدماء والسبى والعنف، وإلا فلن يحق لك أن تسأل لماذا ذهب شباب مصريون إلى «داعش» وارتموا فى أحضانها، إنهم ينفّذون بالحرف الواحد ما علمتهم إياه فى قصتك، إنهم سيقاتلون أعداء الله وسينشرون دين الله فى الأرض وسيضربون الأعناق ويقصمون الهامات وهم منتشون فرحون مهللون مكبرون، هل أدركت كم الجُرم الذى اقترفته فى حق أطفالنا؟